مال واقتصاد
اليابان تقود معركة ترويض العملات الإلكترونية المشفرة
تشير البيانات إلى أن اليابان أصبحت معقل تداولات عملة بيتكوين التي تستأثر لوحدها بنحو 60 بالمئة من قيمة جميع العملات الإلكترونية المشفرة في العالم، وهي تؤكد أن نحو نصف تداولاتها أصبح يجري في اليابان.
واقتحمت السلطات المالية اليابانية المعروفة بالتحفظ الشديد، أكثر المناطق وعورة من خلال تشريع جديد يضع اليابان في صدارة الجهود العالمية لتنظيم تداول العملات الإلكترونية المشفرة، ما أدى ذلك لإطلاق موجة تسجيل منصات التداول في اليابان.
وقد دشنت طوكيو بذلك عهدا جديدا، حيث لم يسبق أن اتخذت أي حكومة مركزية خطوة لمحاولة تنظيم نشاط العملات المشفرة، باستثناء بعض الولايات الأميركية التي لديها لوائح خاصة لبورصات البيتكوين المحلية.
ويقول محللون إن خطوات اليابان هي أحد الأسباب الرئيسية للارتفاع الفلكي لقيمة العملات المشفرة على مدى عام حتى الآن، حيث تضاعفت قيمة بيتكوين بنحو 6 مرات لتصل إلى 2543 دولارا أمس مقارنة بنحو 440 دولارا قبل عام.
ويبدو أن هذا الاعتراف من قبل سلطة مالية رئيسية قد فتح عهدا جديدا بعد سنوات من التشكيك والتقلبات الحادة في أسعارها بسبب المضاربات وشبهات استخدام تلك العملات من قبل العصابات الإجرامية.
لكن استحالة وقف تقدم تلك العملات وتهديدها لمستقبل نفوذ المصارف المركزي دفع اليابان وقد يدفع الكثير من الدول الأخرى لترويضها في إطار النظام المصرفي الرسمي قبل فوات الأوان.
وتتساءل الحكومات والسلطات المالية التنظيمية والمؤسسات المصرفية والمستثمرون، بشكل مشروع، عمّا إذا كان العالم على استعداد لاعتماد العملات المشفرة رسميا وخاصة البيتكوين وهي الأولى والأكبر والأكثر مصداقية بينها.
2543 دولارا قيمة عملة بيتكوين أمس بعد أن تضاعفت بنحو 6 مرات عن مستوياتها قبل عام
وهناك سؤال شائك، سيتم الرد عليه قريبا في اليابان، هو ما إذا كانت عملة البيتكوين جاهزة للمواطنين العاديين وخاصة “ربات البيت اليابانيات” اللائي يمسكن عادة ميزانية الأسر في اليابان.
وقد تسارعت وتيرة ارتفاع القيمة السوقية الإجمالية للبيتكوين والعملات المشفرة الأخرى منذ مطلع أبريل الماضي لتصل إلى أكثر من 60 مليار دولار، مع تهافت بورصات الإنترنت والصناديق وشركات التحويل لتسجيل نفسها رسميا لدى وكالة الخدمات المالية اليابانية.
ورغم الغموض والشكوك إلا أن عوائد الإقبال على العملات المشفرة قد يكون مذهلا، وهو ما يفسر الإقبال الكبير لمستثمري التجزئة اليابانيين ومعظمهم من ربات البيوت.
وتعد هوامش الصرف الأجنبي التداولات المفضلة لدى ربات البيوت في اليابان، والتي تصل إلى نحو 3.3 تريليون دولار شهريا، أي أنها الأكبر في العالم. ويتوجه جزء صغير من تلك السوق نحو سوق البيتكوين، التي يقول أنصارها الأكثر حماسة إن ذلك يمكن أن يغير وجه السوق.
من السهل أن نرى لماذا تحرص وكالة الخدمات المالية على التحرك، والسبب هو أن اليابان تستأثر بنصف تداولات بيتكوين في العالم حاليا. وهي تستفيد من حملة صينية لإيقاف هذا النشاط.
ويبدو أن الحكومة اليابانية لديها أفكار واضحة بشكل غير متوقع بشأن ترويض تعاملات العملات المشفرة وهي ترى أن هناك فرصة بمقدار ما هناك من تهديد. ومن هنا جاء التدافع لتسجيل البورصات وغيرها من الشركات لدى وكالة الخدمات المالية.
تلك الخطوة اليابانية أزالت جانبا كبيرا من الغموض الذي يحيط بتلك الأصول وطمأنت ربات البيوت اليابانيات من خلال رؤية ختم موافقة السلطات المالية المعروفة بطابعها المحافظ. وهو ببساطة رهان مربح جدا على نحو لا يمكن تجاهله.
مايك كاياموري: سلطات اليابان المالية تجعل العملات المشفرة خاضعة للتنظيم وجديرة بالثقة
بحلول أكتوبر المقبل سيكون على أي بورصة أو شركة تحويلات تستخدم بيتكوين أو أي عملة مشفرة أخرى أن تخضع للإشراف التنظيمي لوكالة الخدمات المالية وتقديم الكشوفات المالية السنوية، إذا كانت تريد أن تعمل في اليابان.
ويستهدف هذا التنظيم بشكل أساسي تدابير مكافحة غسل الأموال وبروتوكولات “اعرف عميلك” في محاولة من طوكيو لتطهير بعض الفوضى التي تطبع صورة البيتكوين.
وتم تصميم أنظمة صارمة لضمان الانفصال بين عملات بيتكوين التابعة للعملاء وتلك التي تخص شركات التداول والبورصات. لكن رغم كل أعباء هذا التنظيم فإنه يعتبر مهمة يسيرة بالنسبة لليابان ووكالة الخدمات المالية.
ذلك الإجراء كان يمكن أن يحول في عام 2014، دون وقوع بعض الفوضى التي جاءت في أعقاب انهيار ما كان في ذلك الوقت أكبر بورصة للبيتكوين في العالم وهي بورصة أم.تي غوكس التي كان مقرها في اليابان.
وقد يصاحب رحلة الوصول إلى التنظيم التام للعملات المشفرة المرور بالكثير من الخروقات الكبيرة التي تخالف الطبيعة اليابانية والنزعة الطبيعية المحافظة، للوصول إلى الاعتراف الرسمي بعملة بيتكوين باعتبارها نظام دفع قانوني.
هناك عدة أسباب لهذه المغامرة اليابانية، الأول نشأ من كارثة انهيار بورصة أم.تي غوكس قبل 3 أعوام، وهو مشهد تابعه العالم في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال الرقمية في التاريخ. وأثار غضب مجموعة من المستثمرين الدوليين وكان نكسة كبيرة تحدث في ميدان عمل أكثر وكالات الخدمات المالية تشددا في العالم. ويمثل التحول الجديد لتنظيم العملات المشفرة محاولة لإضفاء الشرعية على كل شيء من قبل الوكالة اليابانية لتأكيد نفوذها وهيمنتها. ويبدو أنها مجبرة على ذلك بسبب الاهتمام الكبير لربات البيوت بالعملات المشفرة.
انهيار بورصة أم.تي غوكس لتداول بيتكوين في عام 2014 دفع طوكيو لترويض تداولاتها
ورغم حجم المخاطر فإن اليابان قد تجني مكاسب هائلة من الارتفاع الفلكي لقيمة العملات المشفرة إذا استأثرت بمعظم تداولاتها وقد تنعش قطاعها المالي المتعثر منذ عقود.
لكن الأمر ينطوي على مغامرة كبيرة لحين تحديد المدى الذي يمكن أن تشغله التكنولوجيا المالية في المستقبل والمفاجآت التي يمكن أن تنفجر بوجهها في ظل وجود عشرات العملات المطروحة في التداول، إضافة إلى وجود مئات العملات المشفرة الأخرى في مراحل متباينة من الاستعداد للطرح.
ولا يزال المخطط الياباني فضفاضا ويتحرك في كهف معتم يحوطه الغموض المرتبط بتكنولوجيا إصدار وتداول العملات المشفرة، وتحليل بيانات الذكاء الاصطناعي، وغيرها من آفاق الابتكار الافتراضية، وهي هواجس في قلب خطط الحكومة لضخ طاقة قوية في صناعة الخدمات المالية اليابانية التي تعاني غيبوبة حاليا.
هناك شبه إجماع عالمي على تأييد حماس المصارف اليابانية التي تضخ استثمارات كبيرة في التكنولوجيا المالية الجديدة والعالية المخاطر. ويؤكد رئيس أحد المصارف الثلاثة الكبرى في اليابان في محافله الخاصة بأن ما من شخص سيستثمر ينا واحدا إلا أن يكون هناك إطار تنظيمي واضح وراسخ.
ويرى محللون أن هناك عناصر في التنظيمات الثقيلة يمكن أن تهدد في نهاية المطاف العملات المشفرة التي ازدهرت دون الكشف عن هويتها. وبصرف النظر عن عملة بيتكوين، هناك اليوم أكثر من 800 عملة أخرى في السوق، لكن وكالة الخدمات المالية من الناحية العملية لم توافق إلا على واحدة منها وهي عملة أثيريوم.
ويجادل مايك كاياموري، الرئيس التنفيذي لبورصة العملات المشفرة “كووين” بشأن تاريخ اليابان الطويل في استخدام القانون التنظيمي لسحق الابتكار والمجالات “غير المرغوب فيها” في الأوساط المالية اليابانية المحافظة.
ويقول إنه “عندما تتحدث عن الشركات الناشئة التي هي بالطبع من أبرز المتعاملين مع الشركات ذات الصلة بعملة بيتكوين، فإنك لا تفكر حقا في التنظيم على أنه شيء جيد. لكن في هذه الحالة، ربما يكون الأمر مختلفا”.
ويضيف أن “مستثمري التجزئة مثل ربة البيت اليابانية لا تريد الانطلاق إلى التعامل وفق ضوابط السلطات المالية الجامحة في الدول الغربية، بل تريد شيئا خاضعا للتنظيم وجديرا بالثقة” وهو ما توفره السلطات المالية اليابانية المتحفظة.
وبعيدا عن المغامرة اليابانية الكبيرة، فقد كشف عدد كبير من المؤسسات المالية العالمية منذ العام الماضي عن خطط لاعتماد العملات الإلكترونية المشفرة اعتبارا من عام 2018.
وأعلن مصرف يو.بي.أس السويسري في أغسطس 2016 عن خطط لاعتماد عملة رقمية بالتعاون مع 3 مصارف دولية أخرى، لكنه لم يذكر هوية العملة. وذكر أن استخدام العملات المشفرة من شأنه تحسين كفاءة الأسواق المالية لأنها تخترق الحدود وتسهل التعاملات التجارية عن طريق كسر العقبات التي تقف أمام التسويات المالية.
وتشير بعض التقارير إلى أن 3 مصارف أخرى هي بي.أن.واي ميلون الأميركي ودويتشه بنك أكبر مصارف ألمانيا ومصرف سانتاندير الإسباني تعتزم إدخال العملات الإلكترونية في تعاملاتها مع بداية العام المقبل.
وأعلنت شركة بيلفريك الهندية في يناير الماضي عن إطلاق أول منصة لصرف عملة بيتكوين. ويعني سماح السلطات بذلك انفتاح سوق هائلة للعملات المشفرة.
كما تدرس مؤسسة الوساطة المالية البريطانية آي.سي.آي.بي اعتماد العملة الرقمية. وتؤكد التقارير أن قرابة 20 مصرفا أبدت دعمها للمشروع تمهيدا للانضمام إليه.
في هذه الأثناء يشهد التعامل بالعملات المشفرة في الصين إقبالا كبيرا رغم تحذير السلطات من التعامل بها بسبب مخاوف من ارتباطها بإخراج الأموال من البلاد. وكان للقيود مفعول عكسي للالتفاف على القيود المالية الحكومية.