مقالات وكتاب

الذم والقدح “المطبوع” و”الالكتروني”

خلود الخطاطبة
“الخاص يقيد العام” مبدأ رئيسي يقوم عليه القانون الأردني، الا في قضايا النشر بالاردن، لماذا؟! ولماذا يتم اللجوء الى تكييف التهم بحق الصحفيين وفقا لقوانين مرتبطة بالنشر وما أكثرها في الاردن، الا القانون الخاص المتعلق بطبيعة عملهم وهو قانون المطبوعات والنشر.
النشر فعل موحد، والقدح والذم بواسطة النشر فعل واحد، سواء في صحيفة ورقية أو محطة اذاعية أو تلفزيونية أو موقع الكتروني، أو على منصات التواصل الاجتماعي، فلماذا يتم صياغة تشريعات متعددة تعاقب على “ذات الفعل”، ولماذا لا يتم الاكتفاء بالقانون الخاص الذي أعده المشرعون لهذه الغاية والذي يراعي بنسبة كبيرة خصوصية العمل الصحفي والنشر في الاردن؟
نحن الصحفيون كنا نتفاخر في المؤتمرات والمحافل العربية والدولية، بما انجزته بلادنا خلال العقود الماضية من توسيع لهامش الحريات في التشريعات الاردنية الخاصة بقضايا النشر، وتحديدا بالغاء جميع العقوبات المسبقة واللاحقة السالبة للحريات (التوقيف والحبس) في قضايا النشر، وتضمينها لقانون المطبوعات والنشر.
وجاء اقرار قانون الجرائم الالكترونية في العام 2015 ، ليصادر ما ناضل من أجله الصحفيون الاردنيون على مدة 8 عقود في الاردن، ويعيد العمل بتوقيف وحبس الصحفيين في قضايا القدح والذم، ويبعث رسالة سلبية الى دول العالم ومؤشرات الحريات الصحفية الدولية، خاصة وان جميع القضايا التي ترفع على الصحفيين يتم تكييفها وفقا لهذا القانون الذي يسمح بالتوقيف.
ان توقيف الزميلين عمر محارمة وشادي الزناتي، في قضية رفعها وزير المالية الدكتور عمر ملحس، تندرج أيضا تحت المادة 11 من قانون الجرائم الالكترونية التي أصبحت سيفا مسلطا على الصحفيين في ممارستهم للمهنة، كون ما كتباه قد تم نشره في موقع الكتروني، وتخيلوا انه لو تم نشر نفس المادة في صحيفة ورقية فلن يتم ايقافهما، فهناك فرق في التشريعات الاردنية بين “الذم والقدح المطبوع” و”الذم والقدح الالكتروني”!.
العقوبات السالبة للحرية بحق الصحفيين يجب ان تتوقف، وعلى الاخص في قضايا القدح والذم الكترونيا، فلا يجوز لمثل هذا النوع من القضايا ان يوصل للعالم صورة سلبية حول مستوى الحريات الصحفية في الاردن، فقضايا القدح والذم في أغلب دول العالم المتقدم تقوم على أساس الشق المدني وليس الجزائي، ويحق لمن تضرر من النشر اللجوء للقضاء الذي يتخذ قراره بقيمة التعويض عن الضرر الذي لحق به، وهي الطريقة الأصح والأنجع في وقف أي تعد بالنشر على الحريات والحقوق الشخصية للآخرين.
ترسيخ مبدأ الشق المدني في قضايا القدح والذم الكتروني ومطبوع ومرئي ومسموع ووجاهي، يضمن حق المجتمع كاملا، والتجربة واضحة في دول غربية عديدة استطاعت من خلال إرساء هذا المبدأ في تشريعاتها وقف حالات التعدي بالنشر على حريات وحقوق الافراد دون الحاجة للتوقيف والحبس.
التوقيف وحجز حرية الأفراد الذين هم الصحفيون في حالة النشر، عقوبة مسبقة سالبة للحرية قبل القرار القضائي النهائي الذي يمكن ان يصدر بالبراءة أو عدم المسؤولية كما حصل في قضايا نشر كثيرة في الاردن، اضافة الى أن الصحفي لا يشكل خطرا على المجتمع في مثل هذه الحالات حتى يتم حجز حريته.
لن نطالب بالتقدم في هذا المجال، بل نطالب –للأسف- بالعودة الى الوراء وتفعيل قانون المطبوعات والنشر، كون بلادنا كانت قبل عقد من الآن أكثر احتضانا للحريات الاعلامية والصحفية، ونطالب بالافراج عن زملائنا الذين يتعرضون الآن لعقوبة مسبقة لم يقل القضاء كلمته الفصل فيها.

إغلاق