مقالات وكتاب

لندرس أسباب التقاعد المبكر

بقلم: خلود الخطاطبة

التقاعد المبكر هو خطر حقيقي على صندوق الضمان الاجتماعي خلال السنوات المقبلة، في ظل تنامي هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، حيث بلغت نسبة المتقاعدين مبكرا من عدد المتقاعدين الاجمالي للعام 2017 (14743) نحو 61%، وتوزعت باقي النسب على الشيخوخة والعجز واصابة العمل والوفاة.   أكاد أجزم بان نسبة كبيرة جدا من الاردنيين المتقاعدين “مبكرا” لم يرغبون بذلك وان كان التقاعد المبكر تم استنادا الى مطلبهم الشخصي، وهو ما يجب ان تدركه مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تصر في برامجها للتخفيف من حجم هذه الظاهرة على التعامل مع التقاعد المبكر على أنه ثقافة مجتمعية نابعة من رغبة شخصية للافراد، لا أكثر. أن واقع هذه الشريحة من المتقاعدين يخالف اعتقادات مؤسسة الضمان الاجتماعي.. الواقع الذي يجب أن تدرسه المؤسسة اذا ارادت لارقام التقاعد المبكر التراجع خلال السنوات المقبلة، فما يعتقد أنه خروج المواطن من سوق العمل مبكرا، هو حقيقة دخول من جهة أخرى الى الوظيفة من جديد بعيدا عن أعين مؤسسة الضمان خاصة عند ممارسة العمل التجاري الفردي.وعند النظر في اتساع ظاهرة التقاعد المبكر نجد انه ليس ثقافة مجتمعية كما تتعامل معه مؤسسة الضمان الاجتماعي ، بل أن هناك أسبابا أكثر واقعية ومنها:• التقاعد المبكر في نسبة واسعة منه يتم بين شريحة المنتسبين من أصحاب الرواتب المتدنية الذين لا يجدون فائدة من الاستمرار لمدة 15 سنة أخرى على الأقل.• الظروف الاقتصادية وارتفاع الكلف المعيشية شكلت ضاغطا على فئة من المنتسبين الذين قرروا مغادرة وظيفتهم طوعا، بحثا عن دخل اضافي بعيدا عن رقابة مؤسسة الضمان الاجتماعي، سواء في مؤسسات كبيرة أو فردية.• ان شريحة واسعة من المنتسبين للضمان الاجتماعي يعملون في مؤسسات لا يعود قرار البقاء للعمل فيها لهم شخصيا، وانما مرتبط بقرارات ادارية، وبالتالي يصدمون بعدم وجود وظائف لاكمال سنوات الضمان فليجأون الى التقاعد المبكر والعمل في السوق بشكل عشوائي متقطع.• تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة، لجأت مؤسسات الى الاستغناء عن خدمات موظفين، يدركون بانهم لن يجدوا وظيفة منتظمة في السوق يستطيعون استكمال سنوات خدمتهم في الضمان من خلالها، لذلك يقبلون بأقل دخل ممكن لتوفير أدنى حد من متطلبات المعيشة.• أغلب النساء وفور وصولهن الى سن التقاعد المبكر يلجأن الى اتخاذ هذه الخطوة، تحت ضغط ظروف اسرية تجبرهن على رعاية عائلاتهن، بل اعتقد أن اغلب النساء ينتظرن بلهفة وصولهن الى هذه المرحلة العمرية لمغادرة الوظيفة بدخل ثابت حتى وإن كان قليلا.• ظروف الوظيفة للمرأة في الاردن متعبة جدا، موزعة بين مواصلات وحضانات أطفال ورعاية منزلية لأسرهن ومتابعة تعليم اطفالهم، لذلك لا تصل المرأة موعد تاريخ تقاعدها المبكر الا وهي تفكر مليا بالركون الى حياتها الخاصة والابتعاد عن الوظيفة، وبالتالي فان تحسين ظروف العمل للمرأة سيساعد في التخفيف من اعداد الراغبات باحالة انفسهن الى التقاعد المبكر.• ان التقاعد المبكر يكون خيارا عندما يكون الدخل المتأتي منه كاف لتأمين مستوى معيشة لائق للمتقاعد، لكن هذا لا يتحقق من راتب التقاعد المبكر الا في حالات نادرة، وبالتالي فان الخاسر المؤسسة والمتقاعد في آن واحد، ما يفرض على المؤسسة دراسة الحالة الاجتماعية ومعرفة السبب الحقيقي وراء رغبة الشخص بالتقاعد مبكرا، وان يكون هذا السبب عرضة للقبول أو الرفض.اذا كان هناك رغبة حقيقية باعادة النظر بالتقاعد المبكر وهو أمر ضروري، فيجب أن لا يبنى القرار على ان رغبة المواطن هي الأساس فيه،  بل يجب النظر الى أكثر من عامل منها ما ذكرنا، الى جانب الدراسات الاكتوارية طبعا، حتى لا نظلم العامل وفي ذات الوقت نضمن استمرار مؤسسة الضمان الاجتماعي دون تعثر خلال السنوات المقبلة.اعتقد ان مبدأ التقاعد المبكر موجود في كثير من قوانين التقاعد في العالم، لكن لا يلجأ له كثيرون بسبب ايجابيات البقاء في الوظيفة مع تقدم العمر ومنها مستوى الدخل الوظيفي، وهذا الترف غير موجود لدينا، الأمر الذي يجب دراسته أولا قبل اصدار اي قرار، فتحسين الرواتب في القطاعين العام والخاص سيحد بالتأكيد من أرقام التقاعد المبكر.

إغلاق