مقالات وكتاب

المزارعون وصندوق النقد

بقلم: خلود الخطاطبة

تحدثنا الحكومة عن أن برنامجها للإصلاح الإقتصادي هو برنامج وطني بامتياز وليس مفروضا من أي جهة، في الوقت الذي ترهن فيه قرارها بالتراجع عن الضريبة المفروضة على القطاع الزراعي بموافقة صندوق النقد الدولي.
ماذا يمكن أن نفسر دعوة الحكومة الى ترتيب لقاء بين نواب ومزارعين مع ممثلين عن صندوق النقد الدولي للبحث في إمكانية الغاء الضريبة المفروضة على القطاع الزراعي بعد اعتراف الحكومة بان مشاوراتها مع الصندوق لإلغاء الضريبة “لم تتكلل بالنجاح”.
أريد أن أذكر بتصريحات ليست بعيدة لرئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي، نفى فيها “تعرض حكومته لأي إملاءات خارجية وتحديدا من صندوق النقد الدولي” ، وقال “أن الاردنيين لا يقبلون ابدا أن يفرض عليهم شيء، وعمل صندوق النقد الدولي استشاري”.
أنا لست مع فرض أي ضريبة على الزراعة بل مع دعمها وأدعو الحكومة الى التراجع عن فرض الضريبة على الانتاج الزراعي بمدخلاته ومخرجاته، ذلك ان الزراعة مرتبطة بالأمن الغذائي وبالسيادة ثانيا، وهاذان الأمران يمكن أن يتأثران اذا هجر المزارع الأرض بسبب ارتفاع كلف الانتاج، وأضحت المنتجات الزراعية المستوردة أقل سعرا.
لسنا بحاجة لشرح أهمية الزراعة للأوطان، فهي من الأبجديات التي تعلمناها صغارا في كتبنا المدرسية التي فرض عليها صندوق النقد الدولي أيضا ضريبة المبيعات حتى لا نقرأ ولا نزرع، وأجزم بان كل من الذوات أعضاء الحكومة يدركون تماما أهمية هذا القطاع، لكن ما أريد أن اتحدث عنه في هذا المقام هو شيء أخر.
الشيء الأخر الذي أقصده، هو أن هذه أول حكومة ترهن وبشكل علني موافقتها على قرار اقتصادي بموافقة صندوق النقد الدولي، بل وصلت الى أكثر من ذلك، عندما اقترحت ان تترك نوابا ومزراعين في مواجهة مع ممثلين عن صندوق النقد الذي اقترب موعد مراجعته الدورية للاجراءات الاقتصادية الأخيرة.
اذا كانت الحكومة مقتنعة بقرارها فرض ضريبة على القطاع الزراعي أو حتى غير مقتنعة، فعليها ان تستمر بالدفاع عن قرارها حتى اللحظات الأخيرة حتى وان كان الأمر سيضعها بمواجهة مع قطاع مهم كالقطاع الزراعي، ومهما كانت الأسباب والنتائج، فإنها ستكون أقل كلفة من اعترافها بان القرار يعود الى صندوق النقد الدولي وليس لها، وتخليها عن دورها الدستوري بالولاية العامة بعد السماح لمشرعين ومواطنين بالتشبيك مع صندوق النقد الدولي.
عندما ينص الدستور الاردني في مادته 45 على “يتولى مجلس الوزراء مسؤولية ادارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية”، فهذا يعني بالضرورة عدم السماح لأي جهة كانت الدخول بمفاوضات مع جهة خارجية مثل صندوق النقد الدولي عدا الحكومة المعنية وحدها بمثل هذه الأمر، مهما كانت النتيجة، وعليها هي تحمل نتائج قراراتها وقناعاتها أو عدم قناعاتها أمام مجلس الأمة والشعب، أما التخبط بهذا الشكل فهو يضرب مجددا في ثقة المواطن بحكوماته.
ادارة الحكومة لهذا الملف مؤخرا، تشي بأمرين أولهما أن الحكومة أضحت عاجزة عن الاستمرار بالدفاع عن قراراتها مهما كانت صعبة لذلك لجأت الى “تلبيس الطابق” لصندوق النقد الدولي، واما تريد ايصال رسالة غير مباشرة للمواطنين بإن الحديث عن “عدم تعرضها لأية إملاءات خارجية، وأن الاردنيين لا يقبلون ابدا أن يفرض عليهم شيء، وأن عمل صندوق النقد الدولي استشاري”، ليس صحيحا وانها مجبرة على اتخاذ هذه القرارات، وفي الحالتين سيفقد المواطن ثقته بالحكومة.
المفارقة ان صندوق النقد الدولي يؤكد في كل مرة على أن برنامج الاصلاح الاقتصادي الاردني ينبع من الداخل، ويقول على موقعه تعليقا على هذا البرنامج “الشعور بملكية البرنامج أمر أساسي لنجاحه، إذ أن كل بلد سيحتاج إلى تطويع السياسات والإصلاحات بما يتناسب مع تحدياته الاقتصادية والاجتماعية، والبرامج النابعة من الداخل والتي تعود ملكيتها الكاملة للسلطات في البلد المعني هي الأرجح أن تُنَفَّذ بشكل فعال وأن تحقق أداء اقتصاديا كليا أفضل”. من نصدق إذن؟

 

 

إغلاق