الأسرة والطفلتقاريرثقافة وادب وفنون
مريم تجمع المسلمين والمسيحيّين في الأردن: احتفال مشترك للمرّة الأولى… و”مرحلة جديدة”
احتفال كبير في الاردن، الأول من نوعه. مسلمون ومسيحيون تجمعهم مريم العذراء- على غرار المسلمين والمسيحيين في لبنان- في عيد بشارتها، للمرة الاولى، مساء اليوم الاربعاء 28 آذار 2018، في احتفال يُراد به “تعميق قيم الإخاء والعيش المشترك”. صاحب الدعوة المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام في الاردن، والرعاية رسمية ممثَّلة في نائب رئيس الوزراء جمال الصرايرة. وتشمل الدعوات وزراء، نوابا، رؤساء الكنائس والطوائف المسيحية، ممثلي الدوائر الاسلامية الرسمية، وايضا مختلف المؤسسات والاحزاب الاسلامية.
شخصيات كثيرة مُنتَظَرة. الاحتفال “يجمع كل من يرى او يؤمن بان الدين يجب ان يكون عاملا للمحبة والوفاق والتلاقي والتعاون”، على قول رئيس المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام الاب رفعت بدر في حديث الى “النهار”. متفائل هو، خصوصا “اننا لم نعد نتكلم اليوم على حوار فحسب، انما ايضا على تلاقي كل الانسانية”. انها “مرحلة جديدة”، بتعبيره.
الاردن اليوم… وقبله لبنان الذي انطلق منه أوّلاً هذا الاحتفال المشترك قبل 12 عاما، ليصبح عيدا وطنيا جامعا في 18 شباط 2010. وقد وصل وفد من “اللقاء الاسلامي-المسيحي حول سيدتنا مريم”، مطلق هذه المبادرة، الى عمان الثلثاء، للمشاركة في الاحتفال الذي يقام الساعة 6,30 مساء في مركز حسين الثقافي في رأس العين في عمان. وضمّ الامينين العامين للقاء ناجي الخوري، والشيخ الدكتور محمد النقري، وعضو اللقاء منير جبر.
“رصيد كبير”
الاحتفال المشترك يستحوذ على اهتمام وسائل الاعلام والصحف المحلية. مقابلات، تقارير صحافية… اصداء الخبر ترددت في الارجاء، في وقت تكثفت الاستعدادات بحماسة. “لدينا رصيد كبير تاريخي في الحوار الاسلامي- المسيحي بدأ منذ ثمانينات القرن العشرين”، على قول بدر. العديد من المؤتمرات نُظِّمت في هذا الاطار، تُضاف اليها “زيارات لاربعة بابوات للاردن، احدهم قديس هو البابا يوحنا بولس الثاني، وآخر سيُعلَن قديسا في تشرين الاول 2018، وهو البابا بولس السادس”. العام 2014، جاء البابا فرنسيس الى الاردن. “ونحن فخورون صراحة بكل الزوار الذين يزورون بلادنا، ويشاهدون فيها هذه الطيبة والحميمية بين المسلم والمسيحي”.
لقاء استثنائي اليوم، “مرحلة جديدة”، في رأيه، “لاننا ندرك ان هناك اساسيات في الكتاب المقدس والقرآن، وتُلهينا عنها الشؤون السياسية والاجتماعية”. هذه المرحلة تحمل، على قوله، “مجالات للتلاقي المسيحي-الاسلامي”. ويتدارك: “لا نريد حوارا عقائديا. هذا الحوار مضى عهده. والحوار الفكري مهم جدا، شرط ان يقودنا الى التعاون الفعلي”.
توق لديه، وايضا لدى العديد من الاتراب، المسيحيين والمسلمين، الى “العودة الى الجذور الايمانية في المسيحية والاسلام التي تذكّر الاجيال الصاعدة ومن لم يعملوا في الحوار بعد بان هناك اساسيات، وقد تكون اشخاصا مبجلين في الانجيل والقرآن”، على قوله، و”اهمها مريم، لانها أمّ “وبتلمّ”، على ما يقولون في لبنان”. تجربة لبنان الرائدة في جمع المسيحيين والمسلمين حول مريم ملهمة. “منذ 12 عاما، يجتمع المسيحيون والمسلمون في لبنان حول مريم. واليوم، نبدأ في الاردن المشوار نفسه”.
النبيان ايليا وموسى
مشوار واعد يأمل بدر في “ان يستمر”. بعد اللقاء الاول اليوم، ستكون هناك “مرحلة تفكير”. وما تم التفكير فيه مع الامير الحسن بن طلال هو “عقد اللقاء المقبل في مزار مار الياس. انه الموقع الذي ولد فيه النبي. كذلك، صعد الى السماء من المغطس، من تلة تحمل اسمه في جوار موقع المعمودية”. ويقول: “فكّر الامير الحسن في ان نقيم الاحتفال هناك السنة المقبلة. وقد دخلت الفكرة في رأسنا، خصوصا ان مار الياس شخصية تجمع بين المسيحيين والمسلمين”.
النبي ايليا في الكتاب المقدس ولدى المسيحيين. والنبي الياس في القرآن، او خضر أيضا لدى المسلمين. “ننطلق من عيد بشارة العذراء مريم في محاولة للجمع بين المسيحيين والمسلمين حول كل الشخصيات الكتابية الموجودة ايضا في القرآن”، على قوله. الى جانب النبي ايليا، هناك ايضا النبي موسى “الذي مرّ في الاردن، ووقف على جبل نيبو، وتوفي هناك”.
نبيان عاشا في الاردن. والحاجة ان “نعمّق الصلة بينهما، وهما مبجلان في الكتاب المقدس، كما في القرآن”، على ما يشرح. بالنسبة اليه، “هذا التوافق على الشخصيات الاساسية يجعلنا ندرك ان ما يجمع بين المسيحيين والمسلمين كثير. وهذه العوامل المشتركة هي التي تصنع التاريخ المشترك، والتعاون المشترك”.
“الخطوة الاولى”
من قضايا الساعة، انتشار الارهاب في المنطقة الذي “لبس رداء ليس له”، “رداء الدين”، و”تزعزع بعض الثقة” لدى سكان الشرق الاوسط في الاعوام الاخيرة بسببه. ايا يكن، يطمح بدر الى ان “يجمع هذا اللقاء الاول في الاردن، على غرار لقاء لبنان، وان يعيد ثقة الناس بالدين بانه عامل سلام، وليس للخصام”.
متفائل هو بما يمكن ان يتحقق في المستقبل، بتأثير هذا الاحتفال. “خطوة الالف ميل تبدأ بخطوة”، على قوله. “بهذا الاحتفال الاول، نرسي الخطوة الاولى. وكما يقال بالايطالية، من يحسن البدء، يُتِمّ نصف العمل. واذا بدأنا بهذه الصورة الراقية التي نتوقعها للاحتفال، عبر مشاركة فسيفساء اردنية متعددة، فسنشهد في السنوات المقبلة اقبالا كبيرا على طبعة اردنية للاحتفال ببشارة العذراء مريم، على امل في ان يصبح عيدا وطنيا، على غرار لبنان، باذن الله”.
اصوات مهاجمة. لا يهم. بدر يحسم الموقف. “من الايجابيات التي علّمتنا اياها وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام، احترام آراء الآخرين، على اختلافها. لكلّ منا الحق في ابداء وجهة نظره، ولكن بوداعة ووقار، على ما يدعو اليه القديس بولس في رسالته الاولى. ما ينقصنا على وسائل التواصل الاجتماعي هو هذه الوداعة وهذا الوقار”.
ملاحظة صريحة، وايضا نصيحة الى كل من يهاجم: “تكلّم ما شئت. هذا الاحتفال المشترك الاسلامي-المسيحي جميل. واذا كان لديك رأي مخالف، اعرضه، ولكن بوداعة ووقار، ولا تسخّف هذا الاحتفال، ولا تحتقر القائمين عليه، ولا ترسل الينا نعوتا ليست لنا، ولا للبشر”.