ثقافة وادب وفنون
حكام بايعوا مصارعهم يوم بويعوا بالخلافة
- بين أكثر من مئة خليفة تربعوا على كراسي الحكم على مدار التاريخ الإسلامي، انتهت عهود الكثير منهم بالقتل أو الاغتيال أو الإعدام بعد هزيمة من منافس، وأغلبهم بقي سر مقتله لغزا حتى اليوم، عن هؤلاء الذين بايعوا مصارعهم يوم بويعوا بالخلافة، عن الذين رُفعوا إلى كراسي الحكم كأنما يرفعون إلى توابيتهم يتحدث الكاتب والباحث وليد فكري في كتابه “دم الخلفاء”.
-
يجمع الكتاب الجديد “دم الخلفاء” للكاتب والباحث المصري وليد فكري في أسلوبه بين السرد الأدبي والبحث التاريخي، يأخذنا المؤلف في رحلة عبر مدن وحواضر حظيت بلقب مقر الخلافة، من المدينة المنورة إلى دمشق وبغداد والقاهرة وسامراء وغيرها من المدن، من أجل التعرف على ملابسات الحوادث التي وقعت لبعض الخلفاء المسلمين الذين تربعوا على كراسي الحكم منذ ميلاد نظام الخلافة، والدروس المستفادة منها، وطريقة إدارة الصراعات في حقب تاريخية مختلفة.
نهايات غامضة
يستعرض المؤلف في مقدمة الكتاب الصادر حديثا عن دار الرواق في القاهرة تاريخ الخلافة الإسلامية منذ أن ولد نظام الخلافة بتولي أبي بكر الصديق الخلافة عام 632 ميلادية، واستمراره حتى إعلان الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك إسقاط الخلافة الإسلامية سنة 1924.
تبدأ أول هذه الحوادث التي يوردها الباحث بعهد الخلفاء الراشدين، فبين الخلفاء الراشدين الأربعة يُقتل ثلاثة منهم بالاغتيال، إذ قتل الخليفة عمر بن الخطاب وهو قائم يصلي على يد أبي لؤلؤة المجوسي، بينما قتل عثمان بن عفان على يد الناقمين على حكمه بعد حصاره في داره، ويقتل عليّ بن أبي طالب على يد أحد الخوارج.
ولم تتوقف آلة القتل التي طالت صحابة النبي الأجلاء، بل امتدت أيضا إلى آل بيته، فبعد قتل عليّ يقتل ابنه الحسن مسموما ويلقى ابنه الأصغر الحسين حتفه في معركة مع جيش يزيد بن معاوية، وعلى ذكر مقتل عمر بن الخطاب على يد أحد الفرس الموتورين يلفت الباحث إلى تبعات تلك الكراهية والصراع الذي شاب العلاقة بين العرب والفرس على مدار التاريخ الإسلامي وتجلت مظاهرها في الكثير من نقاط الخلاف والمواجهة، حتى الصراع العربي الإيراني الحالي، الذي يعتبره الباحث مجرد حلقة من الصدام الفارسي العربي، وإن أخذت شكلا طائفيا، كما يقول.
مقتل عمر بن الخطاب على يد أحد الفرس الموتورين مثّل شرارة الصراع الذي شاب العلاقة بين العرب والفرس
أخذ بنو أمية الخلافة بالسيف، وطالهم كذلك شيء من الدم الذي سفكوه، فكما ثارت الشكوك حول موت معاوية بن أبي سفيان بالسم يموت حفيده معاوية بن يزيد في العشرين من عمره بعد أول خطبة له بالمسجد، والتي أعلن فيها تخليه عن الخلافة ورد الأمر كله إلى الناس.
ويقول المؤلف “عندما يمرض شاب في العشرين من عمره بهذا الشكل المفاجئ، ثم يموت بتلك السرعة، دون سبب منطقي، وعقب موقف صادم شديد الخطورة كالذي اتخذه فور توليه الحكم، فإن من العبث ألا يقفز احتمال الاغتيال بالسم إلى ذهن المتأمل في تلك الأحداث”.
ولم تكن نهاية معاوية الوحيدة ضمن النهايات المريبة والمشكوك فيها لخلفاء بني أمية، فقد أثيرت الشكوك كذلك حول موت خليفته مروان بن الحكم، الذي يقال إن زوجته قد قتلته خنقا، بينما يموت الخليفة عمر بن عبدالعزيز، الملقب بخامس الخلفاء الراشدين، بعد عامين وبضعة أشهر من توليه الحكم وهو بعد شاب لم يبلغ الأربعين.
أما عن النهايات الدموية لبني أمية فكان أكثرها قسوة ما يورده الباحث حول مقتل الوليد بن يزيد، الذي ورد ذكره في كتب التاريخ كأكثر خلفاء بني أمية انحلالا، إذ عرف بإدمانه على الخمر وحبه للهو والخلاعة. ورغم حديث المؤرخين عن كرمه وعدله فإن “أخبار الكرم والعدل لم تكن تصل وحدها إلى الناس، بل كانت ترافقها روايات كثيرة عن انحلال وفسوق الخليفة، واستهتاره الفاحش بالمقدسات”. كما عرف ببطشه ببني عمومته من بني أمية، لينتهي به الحال محاصرا في أحد قصور الخلافة، ثم يقتل ويمثل بجسده، ويرفع رأسه على رمح ويطاف به في شوارع دمشق.
خرج ولم يعد
يشاء القدر أيضا أن يطال هذا المصير نفسه آخر خلفاء بني أمية في المشرق وهو مروان بن الحكم الذي قتل على يد العباسيين.
ولا ينقطع خيط الدم بتولي العباسيين للخلافة، وفي هذا السياق يسلط الكاتب الضوء على واحدة من أكثر النساء قوة في التاريخ العباسي، وهي “الخيزران” أم هارون الرشيد، التي أشيع أنها هي من قتلت ابنها الخليفة موسى الهادي لعقوقه.
رغم طرافة هذه الحوادث فإن الحاكم بأمر الله طالته روايات تاريخية أكثر غرابة، لعل أبرزها ادعاؤه الألوهية
ويقول المؤلف “ربما يستغرب البعض توجيه التهمة سالفة الذكر للخيزران استبشاعا لفكرة أن تقتل الأم ابنها، ولكن بشاعة الفكرة لا تلغي إمكانية وقوع الفعل، فمن دروس التاريخ لبني البشر أن لا شيء مستحيلا على الإنسان اقترافه، خاصة في ما يتعلق بالمُلك، فالملك كما يخبرنا القول المأثور “عقيم”، وهو القول الذي سأل المأمون يوما أباه الرشيد عن معناه، فأجابه الخليفة المزدحمة حياته بالتجارب القاسية بهذا الصدد أن معناه هو “لو نازعتني -يعني ابنه المأمون- هذا الأمر أخذت الذي فيه عيناك، أي قطعت رأسك”.
ومن غرائب الأحداث أن يكون المأمون نفسه طرفا في واحدة من أكثر الحوادث درامية بقتله لأخيه محمد الأمين بعد صراع طويل بينهما.
من بين أغرب النهايات التي يضمها كتاب “دم الخلفاء” تأتي نهاية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، والذي امتلأت سيرته بالنوادر والحوادث المريبة.
ومن الروايات التاريخية الطريفة الشائعة عنه منعه على سبيل المثال أكل “الملوخية”، وذلك لحبه لها، حتى قيل إنها قد أخذت منه هذه التسمية التي كان أصلها “الملوكية” ثم حرفت إلى الملوخية، وهو الذي منع النساء من الخروج من البيوت، وإمعانا في ذلك أمر الإسكافيين بعدم صنع الأحذية لهن، وهو أيضا الذي قلب ليل القاهرة إلى نهار حين أمر الناس بالعمل طوال الليل واللجوء إلى الراحة والنوم وقت النهار.
ورغم طرافة هذه الحوادث فإن الحاكم بأمر الله طالته روايات تاريخية أكثر غرابة، لعل أبرزها ادعاؤه الألوهية، ودعوته الناس إلى اعتباره تجسيدا لله على الأرض. كان الحاكم بأمر الله مغرما باستطلاع النجوم، وكان له مرصد خاص به فوق جبل المقطم شرق القاهرة، وفي أحد الأيام خرج من قصره قاصدا الجبل مع عبدين له، لكنه لم يعد أبدا، واستمر البحث عنه لمدة خمسة أيام ولم يعثر له على أثر.