سياسة
فصل جديد من المواجهة بين حماس والتيار الجهادي في غزة
بدأ الصراع بين حركة حماس وجماعات سلفية متشددة في قطاع غزة يأخذ شكلا علنيا، حيث قام انتحاري بتفجير نفسه فجر الخميس عند نقطة أمنية بمدينة رفح الحدودية مع مصر، ما أسفر عن مقتل عنصر أمني من الحركة.
واعتبر محللون أن الهجوم الانتحاري هو رد على التفاهمات بين حماس والقاهرة التي تشمل الجانب الأمني كتحجيم حماس للتيار المتشدد المتنامي داخل القطاع الذي يشكل تهديدا فعليا للأمن القومي المصري.
ويعكس التفجير كذلك رفض المتشددين للمصالحة الجارية على قدم وساق بين حركة حماس والقيادي الفتحاوي محمد دحلان، التي ترعاها القاهرة.
ويعتبر متطرفو القطاع أن حصول هذه المصالحة ستعني نهايتهم في غزة، باعتبار أن من بنودها تقاسم حماس والقيادي الإصلاحي في فتح محمد دحلان إدارة القطاع.
ومعلوم أن دحلان من أكثر المعارضين لوجود الفكر المتطرف في غزة وفي باقي الأراضي الفلسطينية، وبالتالي يتبنى خيار استئصاله.
وأوضح الناطق باسم وزارة الداخليّة التي تُديرها حركة حماس إياد البزم في بيان “في ساعة مبكرة من فجر الخميس أوقفت قوة أمنية شخصين لدى اقترابهما من الحدود الجنوبية لقطاع غزة فقام أحدهما بتفجير نفسه مما أدى إلى مقتله وإصابة الآخر وإصابة عدد من أفراد القوة الأمنية أحدهم بجروح خطيرة”.
وفي بيان منفصل قالت كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحماس “نزف القائد الميداني في قوة حماة الثغور نضال الجعفري الذي ارتقى إثر تفجير أحد عناصر الفكر المنحرف نفسه في القوة الأمنية”. وتطلق الكتائب تسمية “الفكر المنحرف” على الجماعات السلفية المتشددة.
ولأن هذه هي المرة الأولى التي يقع فيها هجوم يستهدف قوات أمنية تابعة لحماس، توقع البعض من المراقبين ألا تكون الأخيرة، فالحركة التي ساهمت في احتضان وتوظيف التيار المتشدد في غزة أصبحت مطالبة بمواجهته.
وتأتي أهمية الحادث من تسليطه الأضواء على مطبات قد تعتري تفاهمات حماس مع القيادي محمد دحلان، فحتى تنجح الإدارة المشتركة للقطاع لا بد أن ترفع حماس الغطاء عن المتشددين.
وكان وفد فلسطيني ضم أعضاء في حماس والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية والتيار الإصلاحي في فتح عاد إلى غزة عقب حادثة التفجير، وذلك بعد أسبوع من المباحثات مع مسؤولين مصريين لوضع اللمسات الأخيرة على مصالحة في القطاع.
وقال أسامة عامر، الباحث الفلسطيني، إن حادثة التفجير لم تأت صدفة، وتستهدف ضرب التفاهمات التي جرت بين دحلان وحماس، وأن هناك من يرفض وقف الانقسام في غزة والأراضي الفلسطينية بشكل عام.
وأضاف أن وقوعها في وقت وجود وفد للفصائل الفلسطينية بالقاهرة للاتفاق حول فتح معبر رفح بشكل شبه يومي عقب عيد الأضحى، هو رسالة قوية بأن هناك من يرفض ذلك، مؤكدا أن المواجهة بين حماس والجهاديين قائمة لأن الحركة لن تسمح بتخريب ما جرى من تفاهمات في القاهرة.
نشاط التيار الجهادي بدأ مع ظهور السلطة الفلسطينية عام 1994، متزامنا مع إعطاء تراخيص لبعض الجمعيات
ومرهون دعم مصر لحماس في القطاع بمدى تناغم الأخيرة مع الحرب التي تقودها القوات المصرية ضد المتطرفين في سيناء.
وأقامت حماس نقاطا أمنية ومنطقة عازلة على طول الحدود مع مصر كعربون لزيادة الثقة فيها، أملا في تخفيف الهواجس حيالها، ومحاولة إقناع مصر بأن التصرفات الجديدة لن تتوقف بزوال دوافعها الإقليمية، حيث تواجه الحركة مأزقا شديدا جراء علاقتها مع كل من قطر وتركيا وإيران.
وكشف مصدر قريب من حماس أن الحركة لن تسمح بفشل تفاهمات القاهرة، وسوف تصعّد من الإجراءات الأمنية على الحدود للمزيد من طمأنة القاهرة بأنه لن تحدث خروقات من جانبها لسيناء.
وكانت حماس تقوم من وقت لآخر بملاحقة نشطاء جماعات سلفية في غزة واعتقلت بعضهم، لكنها الآن مطالبة بما هو أكثر ومن ذلك مواصلة الطريق بلا مناورات، وفق حديث لأحد المسؤولين المصريين . وعقب التفجير الانتحاري كثفت وزارة الداخلية التي تديرها حماس من إجراءاتها الأمنية على الحدود بين قطاع غزة ومصر.
وذكر مصدر أمني بالقطاع أن قوات الأمن تقوم بتفتيش المركبات والتدقيق في الهُويات والأوراق الثبوتية على حواجز عسكرية أقامتها للغرض.
ويوجد تيار جهادي في غزة قوي يؤمن بما يسمى بـ”دولة الخلافة” ولم يعد يكتفي كما في السابق بالخط الدعوي، ويعمل عبر جماعات تتفاوت في قوتها مثل التوحيد والجهاد وأنصار السنة وجيش الإسلام ومجموعة جلجلة.
وتكونت هذه المجموعات في الأصل من طيف الحالة الدينية بالأراضي الفلسطينية، وجذبت أعضاء من حماس والبعض من الفصائل الأخرى، كانعكاس لموقفها الذي تعتبره السلفية متخاذلا، وبدأت موجة النزوح صوبها بداية من مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية في العام 2006. وكان نشاط التيار بدأ مع ظهور السلطة الفلسطينية عام 1994، متزامنا مع إعطاء التراخيص لبعض الجمعيات.
ووجدت السلفية الجهادية في مشاركة حماس في الانتخابات وعدم إعلانها غزة إمارة إسلامية، مادة للمزايدة وصولا إلى الصراع الذي يتأسس على تكفير الحركة الإخوانية كسلطة مهادنة تسعى إلى تسويات سياسية مجحفة على حساب المقدسات.
وتتباهى غالبية الفصائل الجهادية بالولاء لتنظيم القاعدة، وتستقطب الأعضاء من خلال الترويج لتميزها عن حماس ومباشرتها القيام بأعمال ضد المصالح الغربية والإسرائيلية.
وتسامحت حماس في البداية مع الأنشطة السلفية في المساجد والجمعيات، ووجدت فيها دعما لخطها الإسلامي لمواجهة التيار العلماني. لكن هذا النهج انقلب عليها بعد تزايد نفوذ السلفية الجهادية في المنطقة، وخروج الفرع الفلسطيني عن طواعية حماس، متناغما مع توجهات كل من القاعدة وداعش.
ولدى الفصائل المتشددة ذرائع كافية لابتزاز حماس والمزايدة عليها، سواء بما تصفه بـ”التنازلات” للأعداء وتضعها في مربع الخيانة، أو التهاون في تطبيق الشريعة وتضعها في خانة الكفر، لذلك لا تفوّت تلك الفصائل التي صارت مزيجا بين داعش والقاعدة فرص التحريض ضد الحركة.
وتخشى حماس من انتقال عدوى الانقسامات بين فصائل الإسلام السياسي والجهادي إليها، وأضحت العمليات التي تقوم بها الفصائل الجهادية دون التنسيق معها تحرجها سياسيا وتضعف موقفها الرامي إلى التأقلم مع المعطيات الإقليمية الجديدة.
ويتضاعف نشاط السلفية الجهادية في غزة في أوقات الهدوء بين حماس وبعض القوى الإقليمية، وتجد حماس أن عمليات الجهاديين تعطي ذريعة لإسرائيل لجر غزة مجددا إلى حرب لا تريدها.