لم يستخلص البيت الأبيض من إفادة المدير السابق للإف بي آي جيمس كومي سوى أمر واحد، وهو التأكيد على أن دونالد ترامب ليس موضع تحقيق، على أمل أن يتمكن الرئيس أخيرا من تخطي فضيحة تلقي بظلالها على ولايته، غير أن ذلك قد يبقى مجرد أمنية.
إن كان المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي نعت الرئيس علنا بأنه كاذب غير جدير بالثقة، إلا أن البيت الأبيض يعتقد أنه يمكنه استخدام إفادته لتخفيف الضغط عن إدارة ترامب.
وقام كومي خلال جلسة الاستماع إليه تحت القسم أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، بما كان الرئيس طلب منه تماما قبل إقالته، غير أنه لم يكن بوسعه تحقيقه وهو في منصبه: فهو كشف أن ترامب ليس مستهدفا شخصيا بأي تحقيق في سياق قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وألقت “الغيمة” الروسية مثلما وصفها ترامب نفسه بحسب أقوال كومي، بظلها على فوزه الانتخابي، وأدت إلى تراجع نسبة شعبيته، ووضعت البيت الأبيض في موقع دفاعي وحملت الإف بي آي والكونغرس على فتح عدة تحقيقات.
وقال أحد مستشاري الرئيس مارك شورت “إن كان أعضاء الإدارة يركزون اهتمامهم على التحقيقات، فمن المؤكد أن ذلك يحول جهودهم عن برنامجنا التشريعي”.
عرقلة عمل القضاء
مثلما هيمنت فضيحة “إيران كونترا” على الولاية الثانية للرئيس رونالد ريغان وأدت إلى توجيه التهمة رسميا إلى 11 مسؤولا، فإن الإدارة الحالية منشغلة بفضيحة التدخل الروسي واحتمال تواطؤ أعضاء في فريق حملة ترامب مع موسكو.
والانتصارات القليلة التي تحسب للرئيس حتى الآن، حتى مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس، كانت بشكل أساسي إلغاء لتدابير أو اتفاقات سابقة وليس تحقيق إنجازات سياسية، حيث أخرج الرئيس البلاد من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ ومن اتفاق باريس حول المناخ.
وبالتالي، فإن إفادة كومي تبعث بعض الأمل لدى الجمهوريين الذين ينددون بمؤامرة دبرها اليسار وينعتون المزاعم بشأن وجود تواطؤ بين حملة ترامب والروس بأنها “أخبار كاذبة”.
غير أن المدير السابق للإف بي آي لفت إلى أن الرئيس لم يكن شخصيا موضع تحقيق عند إقالته في التاسع من مايو، موحيا بأن الأمور قد تكون تبدلت منذ ذلك الحين.
كما حرص على الإشارة إلى أنه يعود للمدعي العام الخاص روبرت مولر، المدير السابق أيضا للإف بي آي الذي تسلم ملف التحقيق، أن يقرر ما إذا كان ينبغي فتح تحقيق بحق ترامب في قضية عرقلة عمل القضاء، لمحاولته إخراج التحقيق حول روسيا عن السكة وإقالته كومي.
وبحسب إفادة كومي، فإن الرئيس سعى لوقف التحقيق بحق مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين الذي هو في قلب ملف روسيا، في محاولة تعتبر في أفضل الأحوال بمثابة حسابات سياسية سيئة، غير أنها قد تشكل عرقلة لسير القضاء.
إفادات زائفة
كما كان كومي واضحا للغاية في تأكيده على أن عددا من أعضاء البيت الأبيض، بعضهم لا يزالون في مناصبهم، قد يواجهون متاعب جدية. وينذر كل ذلك على الأرجح بتحقيق مطول.
وإزاء هذا الاحتمال، سعى البيت الأبيض للانسحاب من الفضيحة، تاركا مسألة الرد على أقوال جيمس كومي لمحامي الرئيس الشخصي مارك كاسوفيتز وخبير العلاقات العامة الجمهوري مارك كورالو.
ولم يستمر الأمر طويلا قبل أن ترد تغريدة من دونالد ترامب، حيث كتب الرئيس على تويتر صباح الجمعة “رغم العديد من الإفادات الزائفة والأكاذيب… اثبات كامل (للرواية) وكومي يقوم بالتسريبات”، في رسالة أعادت تسليط الأضواء على البيت الأبيض.
كما قام الرئيس بمجازفة جديدة حين اتهم كومي بالحنث باليمين. ويود البيت الأبيض طي صفحة هذه الفضيحة، غير أن ترامب المصمم أكثر من أي وقت مضى على أن يثبت شرعيته وأن تكون له الكلمة الأخيرة، لا يبدي أي رغبة في الالتزام بخط يخدم هذا الهدف.