مقالات وكتاب
“سرّي للغاية”
خلود الخطاطبة
في الوقت الذي عبر فيه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز قبيل وعند تسلمه رئاسة الحكومة وقوفه الى جانب الناس في التعبير عن رأيهم، وأهمية تدفق المعلومات من الجانب الرسمي للإعلام في دحض الشائعة، وسعي الحكومة الى انشاء منصة جديدة بدعوى ايضاح الحقائق، فأنه قرر أن تكون جميع الوثائق التي تصدر عن الحكومة “عالية السرية” لمنع الصحفيين والمواطنين من تداولها.
تناقض تام بين الخطاب الرسمي والواقع على الأرض، ففي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة على دعمها لقانون حق الحصول على المعلومات، فأنها تدمغ جميع الوثائق والكتب الرسمية بما فيها العادية الموجهة الى رئاسة الوزراء بالأحمر “سري للغاية” بموجب قانون حماية أسرار ووثائق الدولة، وهذا الأمر لم تقدم عليه حتى الحكومات العسكرية التي شكلت عبر التاريخ الأردني.
من الأن وصاعدا، أي شخص يقدم على نشر كتاب رسمي يحمل هذه الدمغة “عالي السرية” فأنه سيصبح في لحظات أمام المدعي العام بتهمة تجاوز قانون حماية أسرار ووثائق الدولة، كما أن هذه الدمغة الجديدة ستحصن الحكومة بشكل مخالف للدستور من وضع قراراتها موضع النقد سواء في الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن امكانية صدور قرارات خاطئة كثيرة، كما حدث في حكومة رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي وتم تصويبها بعد النشر نزولا عند المصلحة لعامة.
هل هناك ما تخاف منه الحكومة لتخفيه؟، الأصل أن رئيس الوزراء الرزاز أكد حرصه على توضيح كل ما هو مبهم للمواطن، فما الذي تعنيه حكومته الأن في بث الخوف لدى الموظفين والعامة من امكانية تداول كتاب رسمي، سوى اخفاء الحقائق والتفرد في اصدار القرارات وتضييق الخناق أكثر على الحريات العامة مترافقا مع تعديلات قاسية على قانون الجرائم الالكترونية وتعديلات “ضعيفة” على قانون حق الحصول على المعلومات.
أعتقد ان الحكومة تغالي كثيرا في تفسير المادة الثالثة من قانون حماية أسرار ووثائق الدولة التي تنص على الحالات التي يمكن خلالها تصنيف الوثائق بدرجة “سري للغاية”، وهي حالات محددة جدا لها تأثير سلبي على الدولة في حال نشرها، لكن كتبا كثيرة اعتبر أن تسريبها يحقق المصلحة العامة، ومنها ما تعلق بقضية المشتبه به بقضية الدخان عوني مطيع أو قضية فقدان الغزلان من محمية دبين أو شراء سيارات لرؤساء البلديات أو اعفاء مجلس الوزراء كافة موظفي الفئة العليا من المبالغ المالية التي تقاضوها في وقت سابق وغيرها من الكتب الكثير.
تصرفات الحكومة تصطدم بشكل مباشر مع حق الصحافة في ممارسة دورها الرقابي المستمد من حق الجمهور في معرفة الحقائق، واعتقد انه ليس من مصلحة أحد وجود هذه الصدام، كون تصنيف “سري للغاية” لن يمنع الصحافة من ممارسة دورها لكن عندها سيكون المتأثر الوحيد هو الدولة الأردنية في حال تراجع تصنيفاتها في مؤشرات الحريات العامة العالمية.