سياسة

التعذيب يمارس في الاردن بشكل منهجي .. “تفاصيل”

أكد رئيس مركز عدالة لدراسات حقوق الانسان، المحامي عاصم الربابعة، أن التعذيب يُمارس في الأردن بشكل منهجي ومن خلال سياق ثابت ومتكرر، إذ يتمّ اللجوء لاستخدام التعذيب الجسدي والنفسي كوسيلة من وسائل التحقيق لدى الدوائر الأمنية كادارة البحث الجنائي وادارة مكافحة المخدرات لانتزاع معلومات واعترافات من الأشخاص، مشيرا إلى أنه تم تسجيل 5 حالات وفاة جراء التعذيب خلال العام الحالي.

وأضاف الربابعة خلال مؤتمر صحفي لاطلاق تقرير التعذيب السنوي الثاني تحت عنوان ‘التعذيب من الانكار إلى الوقاية: كيف نبدأ؟’ إن الحكومة الأردنية أخفقت بشكل كبير في الالتزام بواجبها الخاص بمنع التعذيب والتحقيق والملاحقة القضائية لمرتكبي هذه الجرائم، وذلك رغم مرور ما يزيد عن ربع قرن منذ انضمام الأردن إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللا انسانية أو المهينة.

وأشار الربابعة إلى أن غياب الارادة السياسية للوقف الفوري لممارسة التعذيب، وانتشار ظاهرة الافلات من العقاب، وضعف ضمانات المحاكمة العادلة، وعدم كفاة الاطار القانوني لمعاقبة مرتكبي جريمة التعذيب، تعدّ من أبرز أسباب انتشار التعذيب، اضافة إلى تضارب المصالح الناجم عن كون من يرتكب التعذيب ومن يحقق ويحاكم في الجريمة يتبعون لنفس الجهة وهي مديرية الأمن العام.

ولفت إلى أن المركز يتابع العديد من حالات التعذيب، كما أنه يقدّم المساعدة القانونية لضحايا التعذيب، مشيرا إلى تجربة المركز مع الجهة المختصة بمتابعة هذه القضايا وهي محكمة الشرطة ‘التي يتحفظ عليها المركز’.

وأضاف إن حالات التعذيب التي تعامل معها التقرير أظهرت وجود استخدام مفرط وغير مبرر للقوة الأمنية عند القاء القبض على الأشخاص وخلال المداهمات الأمنية دون مراعاة للمبادئ المنظمة لاستخدام القوة من قبل موظفي انفاذ القانون، وهي مخالفة جوهرية لأحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية.

وقال إن عددا من التشريعات الوطنية تتضمن أحكاما تساعد على وقوع التعذيب وسوء المعاملة كقانون منع الجرائم الذي يتيح للسلطة الادارية اعتقال الأشخاص بمعزل عن الرقابة القضائية، وكذلك قبول الافادة التي يدلي بها المتهم بغير حضور المدعي العام كدليل للادانة إذا قدمت النيابة العامة بينة على الظروف التي أدليت بها.

وأشار إلى وجود قصور تشريعي في عدة جوانب أهمها قصور تعريف التعذيب الوارد في قانون العقوبات الأردني، وعدم وجود نصّ في قانون أصول المحاكمات الجزائية يتيح للموقوفين لدى الدوائر الأمنية فرصة الاستعانة بمحام في مرحلة التحقيق الاستدلالي، أو حتى الاتصال بذويهم، وهو ما قال الربابعة إنه يزيد من فرصة وقوع التعذيب، اضافة إلى غياب نصّ قانوني يتيح تعويض ضحايا التعذيب على أساس المسؤولية المرفقية.

وأضاف الربابعة إن هناك قصورا واضحا في التدريب والتأهيل للموظفين المكلفين بانفاذ القانون، كما أن التشريعات الخاصة التي تحكم عملهم (قوانين الأمن العام والمخابرات العامة) لا تتضمن أي نصّ يجرّم التعذيب أو عقوبات رادعة على ممارسته.

ونوّه إلى أن عدم انضمام المملكة للبروتوكول الاضافي لاتفاقية مناهضة التعذيب يشكّل عائقا أمام قدرة الهيئات الدولية على الاضطلاع بمهامها، إذا لا يسمح للهيئات الدولية بتفقد مراكز الاعتقال والاحتجاز إلا في أضيق الحالات وبعد موافقات وترتيبات مسبقة غاية في التعقيد.

ومن جانبه، استعرض مدير وحدة متابعة قضايا التعذيب في مركز عدالة، المحامي سالم المفلح، أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه المحامين أثناء تقديم المساعدة القانونية لضحايا التعذيب، ويأتي على رأسها عدم السماح لمحامي الضحية بالاطلاع على التحقيقات الأولية، وبشكل يخالف قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وأشار إلى عدم السماح لعائلات الضحايا بالحصول على تقرير المختبر الجنائي الصادر عن الطب الشرعي، علاوة على خوف الشهود من الادلاء بشهاداتهم أمام جهات التحقيق تحسبا من عمليات الانتقام باعتبار أن التعذيب يقع في أماكن الاحتجاز وأن أغلب الشهود لديهم نزاع مع القانون.

ولفت إلى طول اجراءات وأمد التقاضي أمام محكمة الشرطة، والتي تستغرق سنوات طويلة، وهو يعدّ خرقا لقانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري.

إلى ذلك، قال المحامي حسين العمري إن استنتاجات التقرير تستدعي اتخاذ اجراءات وقائية فورية وفعالة للقضاء الكلّي على التعذيب، أبرزها منع الاحتجا في أماكن غير مصرّح بها ومنع الحجز الانفرادين وضمان حقّ الأشخاص المحتجزين في ابلاغ طرف ثالث، وتمكين المحتجزين من الحقّ في الاستعانة بمحام، وكفالة الحقّ في الوصول إلى طبيب، والحقّ في المثول أمام قاضٍ دون ابطاء، ووضع مدونة سلوك لاجراء استجوابات، وتسجيل الاستجوابات صوتيا و/أو مرئيا.

وأكد على ضرورة الانضمام الفوري للبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والذي يُلزم بانشاء آلية وقائية وطنية والسماح لمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية باجراء زيارات مستقلة ذات طبيعة رصدية لأماكن التوقيف والاحتجاز المؤقت دون إذن مسبق.

كما شدد العمري على ضرورة تبنّي برامج تدريبية على مستوى عالٍ من المهنية والاحتراف، تكون موجّهة للأشخاص المكلفين بتنفيذ القانون لضمان مراعاتهم لمقتضيات المعايير الدولية في مجال حماية حقوق الانسان، وانشاء صندوق وطني خاص بتعويض ضحايا التعذيب وسوء المعاملة يتولّى جبر الأضرار بما فيها تقديم التعويض المالي المناسب واعادة تأهيل الضحايا.

ويذكر التقرير جملة من التوصيات على صعيد التدابير التنفيذية والتشريعية والرعاية الصحية والطب الشرعي لضمان الكشف عن جرائم التعذيب، وملاحقة الجناة وفرض عقوبات رادعة.

وتخلل المؤتمر شهادات لعائلات ضحايا توفّوا تحت التعذيب، في حين أوضح الربابعة أن التقرير لا يمثّل مسحا واقعيا لجريمة التعذيب في الأردن، ولا يعبّر عن حجم الظاهرة المنتشرة، فلم ينشر إلا الحالات التي فيها قدر كاف من التوثيق والاثبات القانوني في ظلّ عدم السماح لمؤسسات المجتمع المدني للقيام بزيارات ذات طبيعة رصدية دون اذن مسبق لأماكن الاحتجاز.

إغلاق