عمّان، الأردن (CNN) — لم يغادر عبادة الهواوشة 34 عاماً، وهو طبيب التخدير الأردني في مستشفى حمزة الحكومي المخصص لحجر الحالات المصابة بفيروس كورونا، منذ 12 يوماً مساحات محدودة داخل مكان عمله، وتحديداً قسم العناية الفائقة ومحيطه.
وكشف الهواوشة الذي يعالج الحالات الصعبة من مرضى فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” في عمّان، ممن يتطلب إدخالهم قسم العناية الفائقة وتركيب أجهزة التنفس اصطناعي لهم، عن أصعب لحظات التعامل مع الفيروس والمرضى، إلى جانب زميليه من الفريق الثلاثي الذي أوشكت دورة عملهم لأسبوعين متواصلين على الانتهاء، للانتقال إلزاميا إلى حجر صحي في أحد الفنادق لمدة 14 يوما، بحسب توصيات وزارة الصحة الأردنية.
ويستعد الهواوشة لإنهاء دورة عمله مرحليا مع الفريق غدا الثلاثاء، لكنه سيجد صعوبة أيضا في نسيان أيام “مرهقة ومخيفة” من العمل المتواصل، وساعات نوم متقطعة قد لا تزيد عن 3 أو 4 ساعات يوميا، مع تزايد الحالات الصعبة في غرفة العناية الحثيثة في وقت واحد.
وتعتبر متابعة 7 حالات تعاني من ضيق تنفس لمصابين بالفيروس دفعة واحدة في قسم العناية الفائقة، كما حصل مع الهواوشة خلال الأسبوعين الماضيين، من أصعب المهام لديه، متجاوزة بكثير مخاوف معالجة 17 حالة مرضية صعبة معاً، قبل فيروس كورونا.
ويقول الهواوشة : “في البداية كان الأمر بالنسبة لنا صعباً للغاية ومخيفاً كأطباء وممرضين، خاصة أننا على تماس مباشر مع المريض عند تركيب جهاز التنفس الإصطناعي وإجراء عملية التخدير وهي كانت العملية الأصعب.. أتعامل مع مريض لا يراني بسبب لباس الحماية وإريد إبلاغه أنني سأقوم بتخديره دون أن أثير الذعر لديه. إنه شعور كبير بالمسؤولية في التأكد من المراقبة الدائمة وضمان الحفاظ على مؤشرات العلامات الحيوية بحالة جيدة مع خوف آخر من انتقال العدوى لي ولغيري”.
والتزم الهواوشة بنظام صارم في الحركة داخل المستشفى الحكومي خلال 12 يوماً، لم يتحرك خلالها سوى ضمن مساحات محدودة بين طابق قسم العناية الفائقة وغرفة المنامة لفريق الاطباء، ولايزال ارتداء اللباس الخاص الواقي الذي يستغرق نحو 15 دقيقة في كل زيارة لمريض، يشكل عبئاً إضافياً له .
لكن “تغيّر حالة الفيروس” السريعة لدى مرضى “كوفيد-19″ ، اعتبره الهواوشة العنصر الأكثر مفاجأة له كطبيب، وقال :” شعور أول مرة نشعر به كأطباء، الفيروس بحد ذاته غريب ومخيف، بعض الحالات كانت تظهر العلامات الحيوية لهم جيدة جداً وبعد ساعة تتراجع كلياً، أو عند إجراء صورة طبقية للرئتين تجد أن حالتها سيئة جداً بخلاف العلامات الحيوية..المتابعة مع هذا الفيروس تكون بالثانية، ولذلك تجرى فحوصات غازات الدم كل ساعتين”.
ونشر الهواوشة في 6 إبريل/نيسان الجاري، صورة سيلفي له على صفحته الشخصية تظهر علامات التعب بوضوح على محيّاه، معلقا عليها بعبارة “بعد 144 ساعة عمل مستمر في قسم العناية الحثيثة لمرضى كورونا”.
ويقول عن هذه الصورة لـCNN :” هذه كانت لحظة فارقة بالنسبة لي ولفريق التمريض والأطباء، بعد 6 أيام عمل متواصلة مع إحدى الحالات الخطرة لمريض كبير في السن، لم نتوقع نجاته استطعنا إزالة جهاز التنفس الاصطناعي عنه بعد 7 أيام لتحسن حالته، وهي مدة أقل من البروتوكول الطبي المعمول به بـ 10 أيام لمن يعانون ضيق التنفس…كانت الحالة الوحيدة التي تعافت بهذه السرعة وكانت أجمل لحظة بالنسبة لي مع زملائي”.
وعن ردود فعل المرضى في العناية الفائقة يقول : “كنا نتواصل مع مرضانا في الحالات المرضية الإعتيادية، أما مع فيروس كورونا لايوجد تواصل رغم محاولاتنا طمأنتهم بالحديث إليهم. لايسمح لنا بزيارتهم بعد الخروج من العناية الحثيثة إلى قسم العزل، هناك شعور بالخوف والانكسار عند كل مريض لا يمكن إنكاره”.
وصادف الطبيب الهواوشة حالة وفاة لمريض خلال عمله في قسم العناية الفائقة، لم يستطع التحدث عنها، مكتفيا بالقول بأنها “لحظة صعبة” لا يمكنه نسيانها، وأنها كانت من بين الحالات التي طرأت عليها تغييرات مفاجئة.
وينتظر الهواوشة بفارغ الصبر أن يتلقي بزوجته وولديه الذين لم يرهم منذ أسبوعين ولن يتحقق له ذلك إلا بعد الانتهاء من الحجر الإلزامي اللاحق، قائلا إن هذه هي أطول فترة ينقطع فيها عن عائلته منذ بداية عمله كطبيب.