تقارير
الرداد يكتب: كورونا الأردنية 3
الرداد يكتب: كورونا الأردنية 3
بعيدا عن أجندات الإحكام المسبقة والتصورات والمواقف المنجزة والمغلقة بإحكام،وحسابات البحث عن الثغرات في تقييم الأداء العام في التعاطي مع أزمة كورونا،وخاصة حسابات ذات مرجعيات مرتبطة بمراكز قوى ترى في تحدي في كورنا فرصة لاستعادة مواقع وادوار مفقودة ،أو يمكن أن تؤسس لها أدوارا جديدة،فان أحدا كائنا من كان لا يستطيع أن يتجاوز حقيقة الانجازات التي تحققت في إدارة الأزمة،رغم بعض الهنات التي برزت هنا أو هناك،في التعامل مع تداعيات القرارات الاقتصادية والاجتماعية للازمة، فيما تسجل الجهود الحثيثة لمواجهة انتشار وتفشي كورونا نجاحات غير مسبوقة على المستوي الصحي، تعكس صلابة وعلمية وخبرة الجهات التنفيذية،للدرجة التي أصبح معها تتبع انتشار كورونا في المحافظات والمناطق أشبه بمتابعة خلايا إرهابية بالمفهوم الأمني.
ورغم ذلك،فلا يمكن الركون اليوم لتلك الانجازات على أهميتها،في ظل كون التحدي القائم اليوم يجري تحت عنوانين الأول: آني وله أولوية يتمثل بمواجهة انتشار كورونا ومنع تفشيها عبر إجراءات صارمة وحاسمة،والثاني: ضمان ديمومة الحياة لكافة القطاعات من توفير المواد الأساسية وضمان الوصول إليها،ومعالجة التداعيات التي أصابت قطاعات واسعة.
لقد كان واضحا من التوجيهات الملكية للحكومة أنها تندرج في إطار هذه العناوين، بتطبيق القانون في إجراءات الحظر والتعامل بحزم مع أية خروقات قد تعرض صحة المواطنين للخطر،متابعة التعليم عن بعد بما يضمن تطويره، واحتياجات عمال المياومة والمخزون الاستراتيجي في مختلف القطاعات، خاصة الطبية الصناعية والزراعية.
صحيح أن ضغوط الأزمة المباشرة تفرض نفسها على طاولة صانع القرار، ألا أن هذا لا يمنع التفكير في البحث بالتداعيات السياسية ،الاجتماعية والاقتصادية لما بعد كورونا على الأردن، واذا كانت تلك التداعيات في جانبها السياسي والاجتماعي لا تشكل هما لدى المواطن الأردني ،فان التداعيات الاقتصادية تشكل هاجسا لصانع القرار كما هو حال المواطنين والنخب الاقتصادية.
ليس واضحا اليوم ملامح الخطط الاقتصادية التي ستتعامل معها الحكومة مع تداعيات كورونا والتي تدل مؤشراتها على أن الأردن سيكون أمام تحديات اقتصادية صعبة،عناوينها وفقا لخبراء اقتصاديين: نقص السيولة في المالية العامة،جراء توقف الإيرادات العامة المتأتية من الضرائب والجمارك وغيرها، وتساؤلات حول اتجاهات القطاع الخاص ورأسمال ودوره الوطني، خاصة وان مؤشرات تفاعله مع الأزمة لم تكن بالمستوى المأمول، ازدياد رقعة الفقر ومستويات البطالة وخاصة في سياقات العمالة المرتبطة بالقطاع الخاص، وربما حدوث مفاجآت في بعض القطاعات،وتساؤلات أخرى حول المخزون الاستراتيجي للقطاعات المختلفة.
الأردن ليس دولة معزولة عن العالم، والدول الغنية تقدم دعما ماليا للشركات والقطاع الخاص،تلافيا للوقوع في بطالة واسعة،في الوقت الذي كان فيه أغنياء هذا القطاع مبادرين في تقديم التبرعات،خلافا لما عليه الصورة في الأردن بمطالبة الحكومة بدفع رواتب القطاع الخاص من أموال الضمان الاجتماعي،فيما أرقام التبرعات التي قدمت للصناديق التي تم تشكيلها على هامش الأزمة منحت سؤال “أين أثرياء الأردن”منحت شرعية،عبرت عنها مواقع التواصل الاجتماعي.
ربما تبدو خيارات الحكومة الاقتصادية محدودة للتعامل مع تداعيات كورونا،لكني اعتقد ان المطلوب ليس اجتراح معجزات بقدر ما هو تحسين الأداء بإدارة تلك التداعيات وفق الممكن،فلم يعد مقبولا هذا التهاون مع القطاع الخاص في تعامله مع العاملين فيه،واستمرار الرواتب الفلكية لبعض الهيئات والقطاعات الحكومية،وتلك التبرعات المحدودة.
وإذا كان مفهوما أن اللجوء للبنك الدولي للحصول قروض جديدة، فلتكن أوجه صرفها بما يقلل من تداعيات الأزمة،فقد أبرزت تداعيات كورونا العالمية تعزيز مفاهيم الدولة الوطنية وهو ما يتطلب الالتفات للزراعة وقطاعات الإنتاج الوطني، بعيدا عن “البهرجة” والإحصاءات الخادعة وغير الموثوقة، التي تجري بطريقة تشبه تصريحات أن الأردن لديه القدرة على بيع الكهرباء لدول الإقليم، في الوقت الذي يشكل فيه ملف الطاقة احد ابرز عناوين أزماتنا، فعالم ما بعد كورونا يقول: لامساعدة لأحد ما لم يساعد نفسه.