الأسرة والطفل
فوبيا الارتباط قلصت رغبة الشباب في الزواج
تتعدد الدوافع لدى الشباب للتخلي عن فكرة الزواج والارتباط، وقد تصل بالبعض منهم إلى ما يتفق على تسميته في مجال علم النفس بفوبيا الارتباط.
وأكد خبراء أنه نتيجة لانتشار تطبيقات التعارف، تتزايد مشكلة الخوف من الارتباط بين جيل الألفية، عندما يكون هناك دائما شخص أفضل يمكن الحديث معه سريعا بمجرد ضغطة على الشاشة، مشيرين إلى أن علاقة الأبناء مع آبائهم تعتبر من أهم أسباب الخوف من الارتباط.
وفي تقرير نشرته صحيفة “ذي إندبندنت” الإنكليزية قال هيوغو البالغ من العمر 30 عاما على سبيل المثال “ألتقي بهن، وأحبهن، وفي النهاية ربما تكون هناك مشاعر حب، ولكن بعد فترة أفكر في أنني لو ارتبطت سأكون مع نفس الشخص حتى أموت، فأتراجع سريعاً”، مضيفا “ربما لن أتمكن بعد الزواج من تناول الأكل في المطاعم التي أحبها، فكيف من المفترض أن أرتبط بامرأة؟”.
كما تقول جيس البالغة من العمر 25 عاما “في كل مرة تبدأ العلاقة في أخذ منحى جدي مع شخص ما، أشعر بالخوف وأتخلى عنه دون أن أعرف السبب في ذلك”.
وقال المرشد العلاجي جيربريت سينج “إن فوبيا الارتباط تعني الخوف من الالتزام بعلاقة ما أو حتى الدخول في علاقة، ويعتبر هذا الأمر حقيقيا ويظهر أينما تظهر العلاقات”.
ومن جانبها تتفق الدكتورة أبيجايل سان، أخصائية علم النفس السريري، مع هذا الرأي، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن فوبيا الارتباط لا يمكن قياسها، لكن هناك ميزانا يتمتع به الناس بدرجات مختلفة.
ويرى الخبيران سينج وأبيجايل أن خوف الارتباط الذي ينمو لدى بعض الأشخاص ينشأ بسبب تجاربهم السابقة وعلاقاتهم مع الوالدين عندما يكبرون.
فوبيا الارتباط التي تحدث بشكل مفاجئ يمكن أن تصبح أكثر شيوعا إذا تأذى الشخص من شريك سابق
وبشكل عام، تنشأ المشاكل في وقت مبكر من الحياة، فإذا استجاب أحد الوالدين بشكل متأخر مع الطفل مثلا، قد يكبر الطفل وينمو لديه تناقض في ردود فعله تجاه الآخرين، حيث تقول أبيجايل “إن الشخص البالغ الذي يعتبر أكثر انفصالا وانعزالا ربما كان أكثر انفصالا عن الأبوين”.
وأكد سينج أنه يمكن لفوبيا الارتباط التي تحدث بشكل مفاجئ أن تصبح أكثر شيوعا إذا تأذى الشخص من شريك سابق، ويوضح قائلا “إذا أُخلّ بالثقة في الماضي من قبل المحبوب أو شخص تم الاعتماد عليه، يُمكن لهذا أن يؤثر على قدرة الشخص على أن يثق بأي شخص مرة أخرى”.
وأضاف قائلا “كما يخلق هذا خوفا من أن الشخص الآخر ربما يخونك كما حدث في آخر مرة، وسيبرز هذا الخوف من الثقة في عجز الشخص عن الارتباط”.
كما ذكر سينج “لقد اعتدنا على سماع قصص نساء يائسات ينتظرن المحبوب كي يعرض عليهن الزواج أو نساء يحاولن الارتباط برجل لن يرتبط، لماذا لا يقدرن أنفسهن ويسعين نحو الأفضل؟”، منبها بذلك إلى أن الافتقار إلى تقدير الذات يمكن أن يكون هو المتسبب في الخوف من الارتباط.
وفي ما يتعلق بتحديد من يمتنع عن الارتباط أكثر الرجل أم المرأة؟ أوضح سينج “من واقع خبرتي إن الخوف من الارتباط لا يرتبط بنوع معين، فالمرأة التي واجهت طفولة قاسية تُعد أكثر احتمالا للإصابة بخوف الارتباط مثل الرجل الذي واجه ماضيا مماثلا”.
وأضاف أنه “ليس هناك أي إحصاءات تقول بأن الرجال أكثر عُرضة لفوبيا الارتباط من النساء”، مؤكدا بذلك أن الرأي القائل بأن الرجال أكثر خوفا من الارتباط يعد خُرافة إلى حد كبير وهناك بعض الدراسات التي تؤيد هذا. إلا أن أبيجايل بينت أن دراسات أخرى أظهرت أن النساء أكثر احتمالا لامتلاك أسباب إنشاء علاقات، في حين أن الرجال أكثر احتمالا لامتلاك أسباب الإحجام عن الارتباط.
ونبه الخبيران إلى أن تمتع النساء بقدر أعلى من الذكاء العاطفي عن الرجال من الأعمار الصغيرة، يجعلهن أكثر احتمالا لتطوير تلك الروابط الآمنة مع الوالدين.
ويتفق الخبيران على أن الشخص يمكنه التغلب على الخوف من الارتباط، وأولى الخطوات هي فهمه وقبوله ومن ثم التعامل معه. ونصحا الشخص المصاب بفوبيا الارتباط بتجنب مقارنة نفسه بالآخرين في ما يتعلق بعلاقاتهم أو طرق ارتباطهم، نظرا إلى أن لكل شخص حياته المستقلة وظروفه المختلفة عن الآخر.
تمتع النساء بقدر أعلى من الذكاء العاطفي عن الرجال من الأعمار الصغيرة، يجعلهن أكثر احتمالا لتطوير تلك الروابط الآمنة مع الوالدين
وشددا على أهمية تقدير الذات، ومنحها ما تريد وما تحب، وختما قائلين “اذهب إلى القاعة الرياضية، تناول البرغر، شاهد الأفلام في السينما، ولا تجعل مشاعر الآخرين السلبية تجاه ما تقوم به تغير من تصرفاتك، وبالتدريج سيختفي لديك الإحساس بأن الارتباط من شأنه أن يمنعك من فعل الأشياء التي تحبها”.
ويقول الدكتور فتحي محمد، أستاذ علم النفس بجامعة المنيا في مصر “فوبيا الارتباط هي مشاعر خوف تصيب الشباب والفتيات من العلاقات العاطفية أو الزواج، أو مع بداية كل علاقة تجمع شابا بفتاة نتج عنها انخفاض معدل ارتباط شباب وفتيات الألفية مقارنة بمعدلات الارتباط في القرن السابق، بصورة تلفت الأنظار وتثير الدهشة.
وقد يتعلق الأمر بأسباب ودوافع كثيرة ومتعددة مثل علاقة الأبناء بالوالدين، فعلى الرغم من أن مستويات الخوف من الارتباط والزواج تختلف باختلاف طبائع الأشخاص، إلا أنها موجودة ويعاني منها عدد كبير من الشباب والفتيات، وارتفاع أو انخفاض معدلات الخوف لدى جيل الألفية لا ينفي تأثر هؤلاء بالمشاكل التي تحدث بين الأبناء والوالدين، فبينما يستخف بها البعض، يتأثر بها البعض الآخر وتخلق لديهم أزمات نفسية تنمي لديهم مشاعر الخوف من تكوين علاقات عاطفية أو زوجية عندما يكبرون.
ونبه محمد إلى أن انفصال الوالدين عن أطفالهما يترك في شخصية الطفل مستوى من الانفصالية أو الانعزالية قد لا يستطيع السيطرة عليه عندما يكبر، فإذا استجاب الوالدان للطفل في سن متأخرة تنمو لديه اضطرابات نفسية نحو الآخرين، وبالتالي فإن أكثر الأطفال انعزالية عن الآخرين هم الأكثر انعزالية عن الوالدين.
وعن رغبة الشباب في الشعور بالانطلاق والحرية، يوضح أستاذ علم النفس أن الشباب يرغبون عادة في حياة خالية من المسؤوليات، وبالتالي ينظرون إلى قرار الارتباط باعتباره قيدا يمنعهم من ممارسة ما يحبون ويفضلون، وقد يختلف الأمر بالنسبة للفتيات اختلافا طفيفا، ولكن يظل المبدأ لديهن قائما، حيث يعتبرن قرار الارتباط بداية الدخول في حياة روتينية، تجبرهن على التخلي عن أحلام وطموحات بعينها، يحاولن من خلالها إثبات ذواتهن.
كما تلعب التجارب السابقة الفاشلة دورا في تعزيز مشاعر الخوف من الارتباط، في هذه الحالة لا تكون فوبيا الارتباط شيئا يحدث بصورة مفاجئة، بل تصبح شيئا شائعا نتيجة تأذي الشريك من شخص آخر في الماضي.