تقارير
تراجع العمل والإنتاجية في رمضان.. إغراق شهر العبادة بالطقوس
العمل هو الجهد الذي يقوم به الإنسان بوعيه ويهدف من ورائه إلى إنتاج سلع أو خدمات لتلبية احتياجاته أو احتياجات الآخرين، ولذا فإنه لا يمكن الحكم على جهد ما بأنه عمل إلا إذا كان يصدر عن إنسان واعٍ بقيمة العمل دون ربط ذلك بطقوس دينية لأن أهمية العمل تكمن في أنه لا يتغير بتغير الوضعيات.
الواجبات والمسؤوليات التي تفرضها طقوس العمل تدفع العامل إلى التكيّف والانضباط واحترام الوقت مهما كانت الظروف لتحقيق مردود مستقر في الإنتاجية، وفق ما يقوله بعض علماء النفس والاجتماع، الأمر الذي يستلزم شروطا معينة في الموظفين بشكل عام من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منهم، وبالتالي تحقيق قيم العمل المثالية.
إن مفهوم العمل معروف على أنه شرط أساسي للاستقرار وتحقيق الحاجات للاستمرار في الحياة. وكغيره من الأمور الأخرى فإنه يتطور بتطور التكنولوجيا والتقنيات الحديثة التي ساعدت كثيرا في ربح الوقت. كما أن العمل يزداد بازدياد الحاجيات والمسؤوليات الناتجة عن تضاعف الناس وحاجياتهم.
ثمة ضوابط مهنية وأخلاقية لا بد أن تتوفر في الموظفين أو العمال، وقد باتت ضرورة ملحة في أي منظومة إدارية أو إنتاجية نظرا لفوائدها الإيجابية على الموظفين أو الجهة التي يعمل بها وكذلك المتعاملين مع تلك الجهة.
كثيرا ما يكون مردود الموظفين والعمال خلال رمضان تحت المجهر حيث يُتهمون بالتقاعس والخمول عن أداء مهامهم رغم تخفيض عدد ساعات العمل حتى تتلاءم مع قدرتهم على مواجهة ساعات الصيام الطويلة، لكن في كل الأحوال فإن قيمة الإنتاجية في العمل تتأثر سلبا لعدة عوامل تبدو لبعض الاقتصاديين جوهرية.
لقد تناول عدد قليل من الدراسات، الأثر الفسيولوجي للصوم، كما هناك ندرة في الدراسات التي تناولت أثر الصوم وتبعاته الاقتصادية. لكن التساؤل عن مدى تأثير شهر رمضان على اقتصادات البلدان العربية الإسلامية بالنسبة إلى سوق العمل صار مهمّا في ظل اتساع السوق التجاري المتزايد عالميا.
ومما يثير الدهشة أن المنظمات العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لم تقم بأبحاث حول هذه الظاهرة المؤقتة، وقد يعود ذلك إلى توخي الحذر من الحساسية الثقافية للقضية.
وتشير دراسات قامت بها جهات حكومية ومنظمات مستقلة في البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة لمعرفة أسباب هذا الخمول “اللارادي” إلى أن الإنتاجية تنخفض إلى النصف خلال رمضان بسبب طول ساعات السهر والتقلب في النوم بين الإفطار والسحور، علاوة على التفكير المتواصل في حاجيات الأسرة التي تشتت التركيز عن العمل طيلة الشهر.
حالة الكسل والاسترخاء والخمول والتقاعس التي تنسحب على معظم موظفي القطاعين العام والخاص خلال هذا الشهر، تنعكس تأثيراتها على كافة القطاعات الاقتصادية حيث الهدوء الملحوظ في الأنشطة داخل مؤسسات الإنتاج على الرغم من أن الأمر لا يبدو واضحا للكثيرين. لكن المؤشرات التي تقيس نشاط الشركات على سبيل المثال طيلة شهر رمضان تشير إلى ذلك.
هناك تباين في وجهات النظر بين الاقتصاديين وأصحاب الأعمال بشأن آثار شهر الصوم على الإنتاجية، ففي حين يرى الاقتصاديون أن رمضان يؤثر على إنتاجية العامل نظرا لربطه ببعض العادات السيئة كالسهر لساعات طويلة من الليل، لكن المديرين يعتبرون الشهر ”شماعة” لمن لا يريد أن يعمل والتهرب من المسؤولية، إذ تنتشر عادة التأخير في الوصول إلى مقر العمل وهو ما يعني تراكم العمل.
في المقابل، قد لا يكون تأثير رمضان كبيرا على الإنتاج إذا استعدت المؤسسات لذلك شرط أن تترافق معها معدلات إنتاجية عالية، حيث أن الإدارة الناضجة والواعية لديها القدرة على تقسيم عملية الإنتاج لساعات أقل وبإنتاجية قد تكون أفضل من أوقات سابقة.
رغم أن الدول العربية والإسلامية تعول على تحريك اقتصادها داخليا عبر زيادة الاستهلاك الأسري لدفع عجلة النمو إلى مستويات أعلى والخروج من حالة ضعف الطلب وذلك من خلال زيادة مساهمة التجارة الداخلية في الناتج المحلي الإجمالي، فإن انخفاض معدلات الإنتاج في شهر رمضان قد يفتح بابا آخر من المشكلات خاصة في ما يتعلق بنقص المعروض من السلع، وهو ما يؤثر على نشاط الأسواق.
في كل الأحوال يظل تراجع قيمة العمل، وإن كان يبدو سمة طاغية في شهر رمضان، يثير الجدل بعد أن أصبح علامة سلبية مرتبطة بالمناسبات لدى الدول العربية والإسلامية لا سيما تلك التي تعاني أزمات اقتصادية بسبب الحروب والاضطرابات السياسية، ما ولد حالة اقتصادية رخوة.